عندما أنظر إلى الوراء، أتساءل كيف انتهى بنا المطاف هنا في ألمانيا، على بعد مئات الكيلومترات من مدينتنا وموطننا وعائلتنا التي لم تعد تعيش في نفس المكان. أنا من مدينة “الموحسن” في “دير الزور” التي نطلق عليها اسم “القرية” وهكذا ستبقى في عيني. لقد كانت قرية هادئة وجميلة، إلى أن ظهر تنظيم داعش وظهرت معه الرغبة في بناء الخلافة

اسمي ياسمين مشعان وقد عملت لمدة 12 سنة في صيدلية مستشفى الفرات. أنا من عائلة كبيرة وأُنا الفتاة الوحيدة بين ستة أشقاء. ثلاثة من إخوتي أكبر مني سِنا، وثلاثة أصغر مني سِنا. ونظرا لتواجدي في الوسط، فقد انتابني ذلك الشعور بالأمومة تجاه أشقائي الصغار 

عندما بدأَت الثورة السورية، شعرت أنا وعائلتي كما لو أننا كنا في انتظار وصول تلك اللحظة طوال حياتنا، لذا كنا نعلم أننا بحاجة إلى التحلي بالشجاعة. شاركنا في مظاهرات وقدمنا الدعم قدر الإمكان ومارسنا كل الأنشطة الممكنة من خلال مشاركتنا السلمية ضد النظام. لكن عندما رد النظام السوري بالعنف، تكبدنا خسارة مأساوية لأربعة من إخوتي. وبحلول عام 2014، أصبح لدي شقيقين وهما أخي الأكبر قتيبة، وأخي الأصغر بشار. في نفس الوقت تقريبا، أعلن نظام داعش عن خلافته وأصبح النظام يتوسع نحو “دير الزور”

كان بشار لا يزال عريسا وزوجته كانت حاملا أنذاك. والداي كانا قلقين على بشار وقتيبة، ولم يسمحوا لبشار بالخروج أو فعل أي شيء قد يعرضه للخطر. لكن في أحد الأيام، سمع بشار نداءًا للمساعدة من سكان الحي الذين كانوا يقاتلون داعش وهرع للخروج لأن فصيلة دمه كانت فصيلة نادرة، كما كانت هناك حاجة ماسة للدم ولإجلاء الجرحى 

أتذكر ذلك اليوم جيدا. كان اليوم الموافق لـ 15 مايو/آيار من عام 2014، ومنذ ذلك اليوم، لم نسمع أي معلومات مؤكدة بشأن اختفاء بشار وكل الأخبار التي تصلنا كانت مبهمة. البعض يقول بأن بشار كان يقوم بإجلاء الجرحى فقبض عليه أعضاء تنظيم داعش وذبحوه وألقوا بجسده في النهر، والبعض يقول بأن أعضاء تنظيم داعش قاموا بإلقاء قنبلة أصابت بشار في صدره، بينما يقول البعض الآخر بأنه قد تم القبض عليه من طرف تنظيم داعش. كل ما نعلمه هو أن بشار اختفى ولا زلنا بدون إجابات بعد مرور ست سنوات

أتساءل أحيانا ما إذا كنت سأتلقى مكالمة هاتفية من شخص يقول لي “أنا بشار”. الكلمات وحدها لا تكفي لوصف ألم العيش في هذه الحالة من عدم اليقين، فأصعب شيء هو العيش مع الأمل الزائف. لكن في عقلي الباطن، شيء ما يرفض قبول احتمال عدم تواجد بشار معنا في هذا العالم. صحيح أن الأمل شيء ضروري، لكن ليس لدرجة السماح له بأن يتحول إلى وهم ويسيطر علي. لقد كان هذا أحد الأسباب التي دفعتنا إلى مغادرة سوريا والذهاب إلى تركيا ثم ألمانيا. أعلم أنه إذا كان بشار لا يزال على قيد الحياة فسوف يصل إلينا بأي طريقة ممكنة. لهذا غادرنا سوريا لأن هناك أناسًا آخرين من عائلتنا يتعين علينا إنقاذهم

أما اليوم، فكل ما أريد قوله لقوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية والإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا هو أنه من واجبهم كشف الحقيقة ومساعدتنا على حل لغز بشار و آلاف السوريين والسوريات الذين اختطفهم تنظيم داعش. نريدهم أن يتحملوا المسؤولية ويبذلوا جهودا ملموسة حتى تحصل عائلتي وكل العائلات الأخرى على أجوبة